متعة المعرفة متعة المعرفة

أحجار "ستونهنج" إحدى عجائب الدنيا



أحجار "ستونهنج" إحدى عجائب الدنيا

تعني كلمة "ستونهنج –Stonehenge ": الأحجار المعلقة باللغة "الساكسونية"، وهو نُصُب حجري ضخم يرجع إلى عصر ما قبل التاريخ، وتقع هذه الأحجار في سهل "ساليسبري" بمقاطعة "ويلتشير" جنوب غرب "إنجلترا"، وهو إحدى عجائب الدنيا الغامضة، ومَعْلَم من أبرز معالم التراث العالمي المسجلة لدى منظمة "اليونسكو".
وقد تم بناء هذا الهيكل منذ زمن يقدر ما بين (5000 - 4000) سنة ماضية تقريباً، أي: أنّ بناءه تم في أواخر العصر الحجري، وكان جزءاً من صرح أكبر يضم نصباً حجرياً ضخماً يبلغ حجمه (15) مرة حجم "ستونهنج".

وصف أحجار "ستونهنج":

ذكرنا سابقاً أنّ كلمة "ستونهنج" باللغة "الساكسونية": الأحجار المعلقة، وهذا التسمية تطابق وصف هذه الأحجار، فهي عبارة عن دائرتين مُتداخلتين من الأحجار المُعلقة، وقد تم انشاء هذا الصرح باستعمال (80) حجراً عمودياً، ويجمع بين قممها أحجار مستطيلة، ومجموعة هذه الأحجار الضخمة مرصوصة على نحو يثير الانتباه، داخل مساحة واسعة من العشب الأخضر، ويحيط بها تَلٌّ من التراب دائري الشَّكْل.
ولم يتبق من البناء حالياً سوي (17) عموداً قائماً، وفوقه (6) عتبات ممتدة.
وتنقسم هذه الأحجار بوجه عام إلى فئتين: فئة كبيرة؛ ويقدر ارتفاعها بـ(30) قدماً، ووزنها بـ(25) طناً في المتوسط، ويعتقد أن هذه الأحجار قد نقلت إلى هذا الموقع من منطقة "مالبورو داونز" الواقعة إلى الشمال على مسافة (20) ميلاً (32) كيلو متر.
وفئة صغيرة يشار إليها باسم "الأحجار الزرقاء"؛ لأنّ لها مَسحة مُزرقّة عندما تكون رطبة، أو مكسورة حديثاً، وتزن نحو (4) طن فقط، ويُعتقد أنها نقلتْ من مواقع متفرقة من غرب "ويلز"، يبعد أقصاها نحو (140) ميلاً (225 كم)، كما أفاده بعضُ الباحثين.
لذا فموقع "ستونهنج" مبني من مزيج من الأحجار الزرقاء التي تشكل حلقة أصغر، وأحجار محلية تسمى "sarsen"، وهي التي تشكل الحلقة الخارجية لهذا النصب الأثري.
ويعتبر بعضُ الباحثين هذا الأثر أيقونة في فن الهندسة والبناء، وقد تطلَّب بالتأكيد مشاركة مئات العمال المنظمين على نحو جيد، والذين اعتمدوا على أدوات وأساليب بسيطة، وإن كان أسلوب البناء على وجه التحديد لا يزال لغزاً حتى يومنا هذا.
ويرى بعضُ الباحثين أيضاً أنّ هذا الأثر يُعتبر الأثر الأكثر شهرة على مستوى العالم من حقبة ما قبل التاريخ، وهو إحدى المعجزات الكبرى، وقد أُدرجتْ في قائمة "اليونيسكو" للتراث الإنساني، وعدِّتْها منظمةُ "اليونيسكو" واحدة من أعظم الآثار الخالدة الغامضة، وتعتبر أيضاً من أكثر الأثار الحجرية الضخمة شهرةً وحفاظاً في أوروبا.

زمن بنائها:

يُرجح أن بناءها تمّ قبل (5000) سنة ماضية تقريباً، أي أنها ترجع إلى العصر الحجري القديم، وهذا يدل على أنها قد سبقت كثيراً من الآثار كالأهرامات الفرعونية، وسور الصين العظيم، والحدائق المعلقة في بابل وغيرها.

مراحل بناء أحجار "ستونهنج":

تذكر أغلبُ الدراسات أنه لم يتم بناء هذه الأحجار دُفعةً واحدة، وإنما مرَّ ذلك الأمر بثلاث مراحل رئيسة كما يبدو من الحفريات التي تمت حول منطقة الحجارة، وقيل: مر بخمس مراحل، وأياً كانت تلك المراحل سنذكر هنا تلك المراحل الثلاث المشهورة.

المرحلة الأولى: مرحلة التمهيد:

وقد تمّت هذه المرحلة من خلال حفر خَندق دائري الشكل بقُطر (110) متر، ويصل عمقه إلى متر ونصف المتر، وقد تم بناء سد - على حدود هذا الخندق -  مُدعم بأكثر من ستة وخمسين تجويفاً، وكانت تلك التجاويف مُخصصة كأساس لحمل الأعمدة الثقيلة التي ثُبتتْ فيما بعد.
وقد تمت تلك المرحلة عام 2900 قبل الميلاد.

المرحلة الثانية: مرحلة التشييد:

وقد استمرت هذه المرحلة أربعمائة عام، أي: حتى عام (2500) قبل الميلاد، وتم فيها إنشاء عدة أعمدة خشبية ضخمة جديدة على الدعامات الموجودة في الخندق، ونُصبتْ عدّة أعمدة أخرى شمال وشرق الخندق، حيث كانت تلك الأعمدة بمثابة الحجر الأساس لهذا الصرح بالصورة التي نراها الآن.

المرحلة الثالثة: المرحلة النهاية:

في هذه المرحلة تم استبدال الأعمدة الخشبية بـ (80) عمود أخرى مكونة من صخور بركانية تكتسي باللون الأزرق، وقد أخذت هذه الأعمدة أيضاً شكل الدائرتين المتداخلتين، ويبلغ طول كل عمود من تلك الأعمدة حوالي أربعة أمتار، ويُقدَّر وزنُها بحوالي (4) أطنان.
وقد استمرت هذه المرحلة من عام (2550) قبل الميلاد وحتى (1600) قبل الميلاد، أي: استمرت (950) سنة.

كيفية نقل الأحجار من تلك المسافات البعيدة:

لقد كان العلماء على يقين بأن البشر القدماء قد استطاعوا نقل تلك الأحجار على امتداد (225) كلم، من "ويلز" إلى المكان الذي جرت فيه عملية البناء، ومن ثَمَّ قاموا ببناء "ستونهنج"، إلا أنهم اختلفوا في تفسير كيفية نقلها وهي بهذه الأحجام الضخمة، وقد تمت عملية البناء هذه قبل أن يمتلك البشر أي نوع من الآلات.
ومن هذه التفسيرات:
1- أنّ البشر كانوا ينقلون أو يسحبون الحجارة منذ خمسة آلاف عام، فقد كانت أحجار "ستونهنج" تمثل "توحيد بريطانيا"، وهي النقطة التي عمل فيها الناس في جميع أنحاء الجزيرة معاً، واستخدموا نمطاً متشابهاً من المنازل والفخار وغيرها من العناصر.
وهذا يفسر لنا سبب تمكنهم من جلب هذه الأحجار على طول الطريق من غرب "ويلز"، وكيف تم تنظيم العمالة والموارد للبناء، فقد كانت "ستونهنج" نفسها مهمة ضخمة، وهي تتطلب عمل الآلاف لنقل الحجارة من أماكن بعيدة مثل غرب "ويلز"، وتشكيلها وإقامتها، وهذا العمل يتطلب من الجميع أن يتحدوا معاً، فكان هذا بمثابة توحيد بينهم.
2- طرح العالم "راين جون" من "ويلز" نظرية جديدة مفادها" أن الحجارة تم نقلها بواسطة نهر جليدي قبل (5000) عام، إلى المكان الذي جرت فيه عملية البناء، ولم يضطر بُناة هذا الأثر إلى نقلها على طول الطريق من "ويلز".
ويشير "جون" في كتابه "أحجار ستونهنج الزرقاء" إلى أنه لا يوجد دليل مقنع على أن الأحجار تم استخراجها من "ويلز" من قِبَل البشر، معقباً بأن "الأنهار الجليدية هي النظرية الأكثر احتمالاً في نقل الحجارة على طول الطريق من "ويلز"، منذ آلاف السنين، إلى أن انتهى بها المطاف إلى سهل "ساليسبري"؛ وذلك بمجرد تحسن مناخ كوكب الأرض، وذوبان الجليد".
وقال "جون": عندما قرر البشر القدماء بناء ساعة شمسية هائلة للاحتفال بمرور الوقت؛ كان كل ما عليهم فعله هو استخدام ما هو متاح. وأردف قائلاً: إن الإيمان بفكرة أن البشر القدماء كانوا قادرين على تحريك حجارة بتلك الأحجام جعلتنا نتجاهل الإجابة الأكثر احتمالا، لذلك نجد مجموعة من "الأساطير المصنوعة حديثا" هي التي تسيطر على النظريات؛ على حسب الأدلة الملموسة.
وتابع جون قائلا: "على مدى السنوات الخمسين الماضية كان هناك انجراف من العلم إلى الميثولوجيا (علم الأساطير)، في دراسة "ستونهنج"، وكان الدافع وراء ذلك بشكل جزئي هو التوجه الإعلامي المستمر بشأن البحث عن قصص جديدة ومثيرة حول النصب الأثري".
3- النقل المائي بالطُوَف هو فكرة أخرى تم اقتراحها، ولكن الباحثين يتساءلون الآن عما إذا كانت هذه الطريقة قابلة للتطبيق.

كيفية نصب تلك الأحجار الضخمة:

لقد اقترح بعضهم بأنهم لعلهم استخدموا بروازاً مثلث الشكل خشبياً في هيئة حرف A، وقد استخدموه لنصب الأحجار في وضعها القائم في أماكنها مع استخدام الحبال.
وأما الأحجار الضخمة المنصوبة بالعرض: فربما رُفعت بواسطة منصات خشبية، ثم أزيحت لتتخذ مواقعها.
وهناك طريقة أخرى قد تكون هي المستخدمة لذلك وهي: طريقة بناء مدرج مائل، ثم سحب الحجر العرضي إلى مكانه، وتشهد بروزات في الأحجار القائمة - كانت تغرز في فجوات في الحجارة العرضية - بأن العاملين القدامى كانت لهم حنكة في تشكيل الأحجار، وربما تعلموا طريقة التشبيك هذه من تعاملهم مع الأخشاب.

مَن قام ببناء أحجار "ستونهنج"، ولماذا:

لا زالت الأسباب الحقيقية وراء بناء هذه الأجحار مجهولة للباحثين، وقد كانت الدِّقة في ترتيب حجارة "ستونهنج" ضمن دوائر سبباً كبيراً في جَعْل العلماء يحتارون في تعيين مَن فعل ذلك، فقد كان سكان "إنجلترا" في تلك الفترات مجرد مجاميع تعتمد على الزراعة، ولم يعرف عنهم التقدم في البناء والهندسة.

سبب بنائها:

يوجد الكثير من الآثار التاريخية القديمة التي تثير الدهشة والإعجاب، والتي نجد العلماءَ يقفون إزائها عاجزين عن حل ألغازها، ومعرفة أسرارها الغامضة، ومن تلك الآثار: أحجارُ "ستونهنج".
وهذا ما جعل الباحثين يختلفون وتتعدد فرضياتهم في تفسير هذا المعلم الغامض، ومن أبرز هذه الفرضيات:

1-   الفرضية الأولى:

يرى بعضُ الباحثين أنّ أحجار "ستونهنج" تم بناؤها من قِبَل جماعة من الغزاة في العصر الحجري، مُدلِّلين بذلك على احتلالهم لهذه البلاد، ويؤيد ذلك وجودُ بعض الأحجار المشابهة عند بعض الحضارات التي عاصرتْ تلك الفترة، فقد وُجدتْ آثار حجرية دائرية الشكل منتشرة في بعض دول أوروبا، وإن لم تكن بنفس أحجام وأشكال أحجار "ستونهنج".
وقد لفت انتباه العلماءِ التطابقُ الكبير في أبعاد هذه الدوائر؛ مع اختلاف احجامها وارتفاعاتها، فالمسافات بين هذه الأحجار متساوية في جميع الدوائر، وهذا يعني أن هناك وحدة قياس موحدة تم الاعتماد عليها في تشييد هذه الدوائر.
وقد يُرَدّ على هذه الفرضية بعكسها.

2-   الفرضية الثانية:

أنه تم بناء تلك الأحجار لتكون موقعاً مقدساً تجري بداخله طقوس دينية قديمة، أو لاستخدامها كمقابر للأسر الحاكمة، وهذا الأمر كان منتشراً عند القدماء في تلك الحقبة وما حولها، وما أهرامات مصر عنا ببعيد.

3-   الفرضية الثالثة:

أنّ هذه الحجارة كانت عبارة عن مرصد فلكي عملاق، ومما يسند هذه الفرضية أن فتحات تلك الأحجار تظهر - حسب البحوث التي أُجريت - مُتطابقة مع حركة الشمس ودورة القمر، وبعض قمم الجبال المجاورة، لذا فقد كانت تستخدم لرصد حركة الشمس والقمر ومواقع النجوم وتأثيراتها المختلفة على التغييرات المناخية طوال العام.
وقد اشتُهر استخدام الدوائر الحجرية كمراصد فلكية عند المتقدمين، فاستعملها قدماء المصريين والبابليين والسبئيين وغيرهم من أصحاب الحضارات القديمة.
وتعتبر هذه الفرضية هي أرجح الفرضيات في تفسير سبب بناء أحجار "ستونهنج"، ولا يُجزَم بذلك.
ويُعتقد أنه كان يوجد أكثر من ألف دائرة فلكية في "إنجلترا"، وقد اندثرت معظمها ولم يتبق منها إلا القليل من الحجارة المتناثرة، ويعد صرح "ستونهنج" أكبر تلك الدوائر المتبقية إلى الآن، وأكثرها حفاظاً على شكله العام.

4-   الفرضية الرابعة:

أن أحجار "ستونهنج" تمثل "توحيد بريطانيا"، وهي النقطة التي عمل فيها الناس في جميع أنحاء الجزيرة معاً، واستخدموا نمطاً متشابهاً من المنازل والفخار وغيرها من العناصر.
ورغم اختلاف هذه الفرضيات فلا شك أنّ صرح "ستونهنج" هو مِن أبرز المعالم الاثرية على مستوى العالم؛ لذا أُدخلَ ضمن قائمة التراث العالمي في "اليونسكو" منذ العام 1986م.

 صَرْح "ستونهنج" والسياحة:

لعل هذا الصرح هو أبرز المعالم الاثرية في "إنجلترا" من حيث عدد الزوار السنوي، فيزوره أكثر من مليون سائح سنوياً، وربما كان الغموض الذي يلف هذه الأحجار هو السبب الرئيس – بالإضافة إلى عِظَم هذا الصرح، وطريقة بنائه – في شَدِّ انتباه السياح إليه، وتطلعهم إلى رؤية هذا الصرح الغريب!!



 وهذا فيديو لمشاهدة ذلك:
 https://www.youtube.com/watch?v=2gxoAj7Nz28
وهذا فيلم علمي حول هذه الأحجار:
https://www.youtube.com/watch?v=yP2DlTwQuIY





التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

متعة المعرفة

2019